اذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله .. واذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله .. واذا أنس الناس بأحبابهم فأنس أنت بالله .. واذا ذهب الناس الى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون اليهم فتودد أنت الى الله .. ابن القيِّم الجوزيّة ..

الأحد، 16 أغسطس 2009

فيروسات الحياة الزوجية

الكاتبة: سوسن مصاروة رئيسة جمعية سند للامومة والطفولة

من نعم الله علينا ان خلق الرجال والنساء من نفس واحدة,{ وهو الذي انشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون}, وكان من رحمته ان جعل من هذه الوحدة ذرية كريمة, فأمرنا بمراعاة هذه الوحدة عند تعامل الرجال والنساء فقال:{ يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا}, بل امرنا بما هو اكبر من ذلك, ان نتذكر نعمته في خلقنا وانه خلق فينا الميل نحو بعضنا لبعض وغرس في القلوب المودة والمحبة والرحمة بين الزوجين كما قال:{ ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون}.


هذه هي الحياة التي يجب ان تبنى على المودة والمحبة والتفاهم والحوار, وهذا البيت الذي يجب ان ترفع اعمدته لينشأ في كنفه جيل مسلم يتربى على منهج الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الحياة قد تصاب بالفيروس كما يصاب الجسم وكما يصاب الحاسوب ولكن شتان بينهما في طريقة العلاج وفي الكيفية.

فاذا اصيب الجسم بالفيروس والمرض سارع المريض الى الطبيب ليتلقى العلاج المناسب ويشفى من مرضه ويتم باذن الله التخلص من الفيروس. واذا اصيب الحاسوب بالفيروس سارعنا بالاتصال بالتقني المختص لتصليح الجهاز لان هذا الجهاز صار جزءا من حياة البعض ممن لا يمكنه الاستغناء عنه, اما اذا اصيبت الحياة الزوجية بالفيروسات فهل نسعى لاستئصال هذا المرض؟ هل نسعى لاصلاح الخلل؟ هل نذهب الى الطبيب المناسب, ام في هذه الحالة كل يدلي بدلوه ويصبح كافة الناس اطباء مهنيين؟!!

ايها الازواج, ايتها الزوجات... الحياة الزوجية معرضة للاصابة بفيروسات. نعم هي عرضة لذلك, وانواعها كثيرة كلنا يعرفها ويعيشها ولكننا ربما لا نسعى لاصلاحها ولا نجتهد لاخذ الدواء المناسب, وحديثي موجه لك انت اخي الزوج ولك انت اختي الزوجة, فكلاكما تمثلان حجري الرحى لبناء البيت, لا تقل الذنب ذنبها ولا تقولي الذنب ذنبه, الاصل فيكما ان تسعيا معا للاصلاح والعلاج للقضاء على كل الخلافات او الفيروسات التي تنغص عليكما حياتكما, وحتى تكونا على بينة فهذه بعض الفيروسات التي يمكنها ان تتسلل للحياة الزوجية فتجعلها واهية ضعيفة:
الغيرة: خلق حميد وصفة جليلة وهي سمة عباد الله الصالحين وجنده المفلحين, الغيرة سياج منيع لحماية المجتمع من التردي في مهاوي الرذيلة والفاحشة والتبرج والسفور والاختلاط المحرم, الغيرة قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل غادر, الغيرة مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية, وهي مؤشر على قوة الايمان ورسوخه في القلب. ان اشرف الناس واعلاهم قدرا وهمة, اشدهم غيرة على نفسه واهله, ومن حرم الغيرة حرم طهرالحياة ومن حرم طهر الحياة فهو احط من البهيمة, ورحم الله ابن القيم يوم قال:" اذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله".
ولكن هذا لخلق الطيب اذا تعدى الحد وزاد عنه انقلب الى ضده, كثيرا ما نرى المشاكل تنشأ بيبن الزوجين بسبب الغيرة وقد تطغى هذه الغيرة احيانا وتصل الى حد الشك والظن والحرمان, وربما ينتهي الحب بين الزوجين بسبب هذه الغيرة اذ انها قد تولد انعدام الثقة بينهما, ما الحل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغضها الله, فاما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة, واما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة" والواضح قوله صلى الله عليه وسلم ان الغيرة شيء مطلوب في العلاقات الزوجية بحدود واذا تم تجاوزها فستؤول الى ما لا يحمد عقباه , فالاعتدال مطلوب في كل امر, فلا افراط ولا تفريط.



الكذب:خلة رديئة وصفة ذميمة, وهي اساس الرذائل واصل الشرور, كثير ما ضاعت بسببه حقوق, وانتهكت بسببه حرمات, وارتكبت به جرائم, فكم من خبر كاذب كان سببا في تقطع الصلات, واثارة العداوات, وهو داء قاتل وفيروس فتاك, اسبابه الخوف والتقصير احيانا, او الهروب وعدم المواجهة, فيلجأ الزوج او الزوجة الى الكذب فهو الحل الامثل للخروج من المشكلة, ولكن الواقع يؤكد ان المشاكل بين الازواج تتأزم بسبب هذا العلاج المبطن بالسم فتزداد المشاكل وتكثر حتى تؤثر على الحياة كلها ويظن ان الكذب يجر اليه نفعا او يدفع عنه ضرا, وهو في الحقيقة ابعد عن نفعه واقرب الى ضره, فان الشر لا يكون خيرا والقبيح لا يكون حسنا, انك لا تجني من الشوك العنب .

عن المنصور بن المعتمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تحروا الصدق وان رأيتم الهلكة فيه فان فيه النجاة". فعلاج هذا الداء هو تجاوز الاخطاء البسيطة للزوجين, والاعتراف بالاخطاء ببساطة حين حدوثها.



العنف: فيروس خطير جدا, اسبابه العناد والتحدي وكثرة الجدال الذي يستفز احد الزوجين, الظروف التربوية والاجتماعية, ضغوطات الحياة, قد يكون العنف في الكلام او التعامل او الضرب, وربما كان اهمال الزوج لزوجه عنفا... فكيف تستقيم الحياة بهذه الصورة؟ باي صورة كان هذا العنف يجب التخلص منه, وانا اعلم ان التخلص منه بحاجة الى وقت, ولكن لنبدأ بالخطوة الاولى, ابدءا بالتفاهم على اصغر الامور بالحوار, والعالج يكمن في عدة امور: صبر الزوج على زوجته وصبرها عليه, مسايرة كل منهما للاخر, التسامح, القناعة, العاطفة والحميمية في العلاقة الزوجية.



تدخل الاهل: م كلا الطرفين, خطير جدا, اسباب هذا التدخل كثيرة , منها: تسرب المشاكل الشخصية خارج المنزل, اطلاع الاهل على تفاصيل خاصة وبدون مبرر,تسلط والدة الزوج او والدة الزوجة,التدخل بسبب صغر الزوجين وعدم ممارستهما للحياة.

لماذا نسمح للغير بان يتدخلوا في الحياة الزوجية بكل تفاصيلها؟ مع احترامي للاهل جميعا ولكن تدخلهم المباشر وغير المباشر احيانا يجعل البيت يشتعل نارا, لم لا يكون للزوجين الحرية التامة والكاملة فيحل مشاكلهما؟ وللخروج من هذا الاشكال ايها الازواج حافظوا على خصوصياتكم ولا تجعلوا اسراركم وعلاقتكم الزوجية علكة في كل الافواه, المشاكل لا يحلها الا اصحابها.



الانانية: مرض خطير وفيروس قاتل, الانانية هي الفردية الشرسة وحب التملك والغيرة الجنونية وهي اتباع الاهواء الشيطانية لضرر الاخرين والانتفاع الشخصي, هي حب النفس وهي تمتع وترفه النفس على حساب الاخرين وعدم حب الخير لاحد, اسباب هذا المرض حب الذات وعدم الشعور بالمسؤولية من كلا الزوجين, كم من حاات الطلاق كان سببها هذا الداء, كم من بيوت دمرت لان الانا هي التي حكمتها, ايها الازواج عندما لاقررتم الارتباط ببعضكم رضيتم بان تكونوا شركاء في هذه المؤسسة, والمؤسسة بحاجة لتشاورواحترام متبادل, والنظر في رغبات الطرف الاخر والمشاركة بين الطرفين فيكل شيء, الانا هنا لا تنفع, بحاجة لوحدة وتفاهم لنحافظ على البيت الواحد.


البخل: وهو من الفيروسات القاتلة الهدامة التي تهدم البيت وتقطع العلاقات وتنفر الزوجة من زوجها او الزوج من زوجته , انه خلق سيء اذا اعتاده المرء هلك واهلك من حوله, قال الله تعالى في محكم تنزيله ذاما البخلاء:{ واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله اذا تردى} فالحلا ايها الازواج ايتها الزوجات ان تشكر الله على عطائه وان تتمتعوا بهذا الرزق الحلال ولكن دون اسراف فان المسرفين كانوا اخوان الشياطين.
الملل: مشكلة عامة وكثيرة الحدوث بين الازواج خاصة بعد ان يطول العهد بالزواج, وقد تحدث بعد سنوات قليلة من الزواج, وفي هذه الحالة نجد ان الايام والاسابيع والاشهر تمر على الزوجين وهما متحابان ولا توجد بينهما اية مشاكل, الا ان الرغبة في الالتقاء تضعف, ويبدأ الشعور بانه واجب لا بد من عمله اكثر من كونه دافعا وحبا وغريزة, وهذا الملل والفتور هو الذي يدفع الازواج الى السهر خارج البيت او تفضيل مجالسة الاصحاب على مجالسة الزوجة والاولاد.
ان الافتقار الى التجديد في الامور اليومية هو الذي يؤدي الى الملل, فاين سعيكم ايها الازواج نحو التجديد والتغيير حتى في ابسط الامور, فقليل من التغيير وخلع ثوب المثالية قد يفيد, وعليكم دائما ان تفكروا بملء الفراغ باشياء مفيدة وافكارمتجددة تفيدكم في حياتكم الزوجية.
*********
الفيروسات والامراض التيتفتك بجسد الاسرة المسلمة والبيت والحياة الزوجية كثيرة, ذكرت بعضها وهناك غيرها الكثير, ولكل بيت فيروساته الخاصة ولكن علينا دائما البحث عن العلاج, لا نترك المرض يستشري بالجسد حتى يفتك به, بيوتنا هيحصوننا فعلينا المحافظة عليها وبشدة.
ايها الازواج, ان العلاقة الزوجية علاقة عميقة الجذور, فهي اشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه لقوله تعالى:{ هن لباس لكم وانتم لباس لهن...} ومن المهم ان يكون هناك جدارقويمسلح بالمحبة والعطاء بالتضحية والاحترام المتبادل والمسامحة يكون بمثابة حاجز قوي يقف في وجه اي كان من الفيروسات, حتى وان وجد- وهذه طبيعة الحياة- فمروره يكون عابرا لا يخرب انظمة العلاقة الزوجية.
_________________
توقيعي: تبسمك في وجه اخيك صدقة
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق