اذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله .. واذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله .. واذا أنس الناس بأحبابهم فأنس أنت بالله .. واذا ذهب الناس الى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون اليهم فتودد أنت الى الله .. ابن القيِّم الجوزيّة ..

الاثنين، 24 أغسطس 2009

من يطفىء لهيب الاقصى؟!

الشيخ كمال خطيب - نائب رئيس الحركة الاسلامية


اليوم الجمعة 21 \ 8 \ 2009 ، ولم اكن أعلم عندما كتبت مقالتي هذه قبل يومين هل سيكون اليوم هو المتمم لشهر شعبان أم أنه سيكون هو اليوم الأول من شهر رمضان المبارك ، وإذا كنتُ لا أعلم ذلك فإنني حتماً أعلم وأعرف أن هذا اليوم وفق التقويم الميلادي هو يوم ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك ، والذي كان يوم 21 \ 8 \ 1969

هكذا إذاً هي دورة الأيام ، والتاريخ أفراحٌ وأحزان , انتصارات وهزائم , إقبال وإدبار , آمال وآلام .

اللهم وإن رسولك صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا جاء شهر رجب : (اللهم بارك لنا في رجب وفي شعبان وبلغنا رمضان) ، وها نحن قد بُلغنا شهر رمضان وهلّ علينا هلاله ، فاللهم لك الحمد أن وهبتنا نعمة أن نصوم لك رمضانا آخر علنا فيه ننال رحمتك ومغفرتك وأن تعتق رقابنا فيه من النار ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار) , فاللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال رشدٍ وخير أنت يا هلال رمضان , ربيّ وربك الله .



مرحباً بك يا رمضان وأنت الذي يهل على الأمة هِلالك المبارك, وهو الذي سبق وهل على الأمة وهي ترفلُ بثوب العز والمجد والمكارم , ثوب الانتصارات ورفع الرايات في بدر وفتح مكة وعين جالوت وفتح الأندلس .

ها قد أتى شهر الصيام الأكرم.............. بدرٌ يطلُ بوجهه المتوسم

كم جئت يا شهر الهداية سابقاً ............والنصر يحمل عزة للمسلم

فالفتح يشهد للرسول محمدٍ........... ولصحبه ذاك الشموخ الأعظم

وبعين جالوت تجمع شملهم........... بالقرب من بيسان أرض الأنعم

والآن جئت وقد تشتت شملهم................ حتى تبدل نحبهم بمحرّم

مالي أرى وجه العروبة شاحباً..........والكل يحيا تحت وطأةِ ظالم ِ

مرحباً بك يا شهر رمضان رغم الجراحات والآلام ونزف الدماء من أبناء الأمة في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال والسودان وفي فلسطين , مرحباً بك يا رمضان رغم الحصار والجوع ومنع الداء والدواء والغذاء والكهرباء عن أهل غزة الصابرة المصابرة .


مرحباً بك يا رمضان رغم استمرار جلد أشراف الناس بالسياط ورميهم في غياهب السجون من الدعاة والعلماء وقادة الفكر من الذين همهم أن يُعبّدوا الناس لله رب العالمين وإحياء الفرائض والسنن من الصلاة والقيام والزكاة والحج وغيرها ، وأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى .


مرحباً بك يا رمضان لأن إطلالة هلالك فيها من معاني الأمل والاستبشار والتفاؤل ما فيها , فما أن يهل علينا هلالك يا شهر الخير إلا ونحن على حالة من اليقين الذي لا ريب فيه بأن مآل أمرنا إلى خير وأن بعد هذا العسر لن يكون إلا يُسر ، وبعد هذا الكرب لن يكون إلا فرج ، وبعد هذا الليل حتماً سيطلع نهار المجد والمكارم والعزة بإذن الله .


هكذا أنت يا رمضان , كنت وما زلت وستظل كذلك بإذن الله ، فهذا سرٌ أودعه الله فيك واختصك من بين الشهور فأهلاً بك ومرحباً , واليوم .. ومع إطلالة هلالك فإن بدايتك تتزامن مع ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك وتلك الجريمة النكراء التي اقترفتها يد الحقد والسفالة , يد ذلك اليهودي الاسترالي "دينيس روهان" يوم 1969/8/21 عندما أتت نيران الحقد على المسجد الأقصى المبارك فحرقت محرابه ومنبره وقبابه , ذلك المنبر الذي سبق وقدمه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله هدية للمسجد الأقصى المبارك يوم حرره من الصليبيين،الذين عاثوا فيه فساداً وإساءة بعد أن كانوا قد احتلوه أربعاٍ وتسعين سنة , منعوافيها المسلمين من رفع الأذان من مآذنه ورفعوا الصليب بدل الهلال فوق قبابه .

إنه المسجد الأقصى المبارك يا هلال رمضان, الذي دارت الأيام دورتها وبعد أن رفع الصليبيون الصليب فوق قبابه , فهاهم اليهود اليوم وقد احتلوه فراحوا يرفعون علم الاحتلال فوق أسواره وعلى بعض معالمه ، فهل بقي إلا أن يرفعوا ذلك العلم فوق قبابه ومآذنه , بخاصة وأنهم الذين يعلنون كل صباح ومساء عزمهم على هدمه وبناء هيكلهم الثالث المزعوم على أنقاضه , بينما أمة الإسلام وقد أصابها الخور ولبست ثوب الهوان صامتة كأنها تنتظر ذلك الخبر المفجع ... هدم المسجد الأقصى المبارك .


يا ثالث الحرمين حرقك نكبة .............فيها يزيد الجرح والإيلام

يا موطن الإسراء خصمك غادرٌ.......... وسبيله التقتيل والإجرام

إن يحرقوك فليس ذلك بدعة ............ في دينهم بل إنها الأحلام

حربٌ على الدين الحنيف وإنها ............لطويلة ٌ ما طالت الأيام

أسفي على الأقصى وقد عبثت به......... نار العدو وقد علاه قتامُ

أسفي على الأوطان ينزف جرحها..... والمسلمون عن القباب نيامُ

إنه المسجد الأقصى المبارك الذي يوم أحرقوه فإنهم قد أحرقوا قلوب الملايين من المسلمين, ومع ذلك فقد كانت تلك أكثر أيامهم خوفاً حيث قالت "غولدا مئير" - تلك العجوز الشمطاء ورئيسة وزراء إسرائيل- : (إن الأيام التي تلت حريق المسجد الأقصى كانت هي أصعب الأيام في تاريخ إسرائيل لأننا توقعنا ردة فعل عربية وإسلامية مدوية ومدمرة , ولكن ولما أن مرت تلك الأيام بسلام إلا من تنديد وشجب واستنكار فقد تنفسنا الصعداء) .



فها هي أربعون سنة تمر على حريق المسجد الأقصى المبارك ، وخلالها فعلت دولة الاحتلال الأفاعيل وانتقلت علاقة اليهود بذلك المكان المبارك من مجرد أمنيات وخطط وسياسات إلى مشاريع تُنفذ وممارسات على أرض الواقع تطبق , لقد تغير تعاملهم مع قضية المسجد الأقصى المبارك من أنها كانت قضية تشغل بال الجماعات الدينية إلى ان أصبحت هي قضية المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية رغم إدعائها أنها دولة علمانية


إنه المسجد الأقصى المبارك الذي من يوم أن أحرق منبرهُ ومحرابه قبل أربعين سنة فإن ذلك الحريق كان رسالة للأمة كلها بضرب مجدها ورفعتها وعزتها التي مثلها ذلك المنبر الذي أهدي للأقصى في يوم تحريره من الاحتلال الصليبي , ولكن .. ما أغباهم أولئك الذين يكتبون رسائلهم بالمقلوب , لأنهم ما علموا أن في الأمة من يعزم العزم الأكيد على تحرير المسجد الأقصى من اليهود مثلما حرره صلاح الدين من الصليبيين، وأن احتلال اليهود للمسجد الأقصى إذا كان قد مضى عليه 42 سنة فإن احتلال الصليبيين للمسجد الأقصى قد استمر 94 سنة ولن يكون الاحتلال الإسرائيلي بدعاً من الاحتلالات ولا نمطاً مميزاً وإنما هو ككل الاحتلالات التي لا بد وأن تنتهي وتزول ، وإذا كان ذلك الاحتلال قد وقع في غفلة الأمة ، وذلك الحريق قد كان في زمن كبوتها فإن الأمة الآن والحمد لله قد استيقظت من غفلتها ونهضت من كبوتها .



إن الإسرائيليين وعبر حُمىّ بناء الهيكل التي أصابتهم وانتشرت بينهم فإنهم يسابقون الزمن في سعيهم لبناء هيكلهم المزعوم لأنهم يعتقدون حتمية ظهور صلاح الدين مسلم جديد قد يقلب عليهم طاولة أحلامهم ويفسد عليهم خططهم الماكرة , ولذلك فإنهم ولشدة خوفهم من المستقبل فإنهم يقرأون ذلك المستقبل عبر الفلك وظواهر الطبيعة وحركة النجوم والآيات الكونية ، ولقد تحدثنا قبل شهر- يوم كان كسوف الشمس يوم 22 \ 7 \ 2009 - وأن تزامُن ظاهرة الكسوف مع بداية شهر آب العبري فإنه حسب اعتقادهم نذير الشؤم من أن حروباً ستقع وأن مصائب ستحل عليهم , بخاصة وأن الأيام التسعة الأولى من كل شهر آب وفق التقويم العبري هي أيام حزن وحداد لأن فيها وقع دمار الهيكل الثاني وخرابه عام 70 ميلادي على يد القائد الروماني تيطس .

وها نحن نراهم هذه الأيام وهم يراقبون بشدة ويتابعون برهبة الظاهرة الكونية التي ستكون ليلة الأربعاء القادم 27 \ آب \ 2009 والتي فيها سيظهر القمر إلى جانب المريخ متقاربين وبنفس الحجم وفي أقرب مسافة لكوكب المريخ من كوكب الأرض .

هذه الظاهرة التي كانت آخر مرة رآها البشر قبل ستة آلاف سنة أي في زمن الفراعنة , وإن الحديث عن الفراعنة بالنسبة اليهم يعني ذكريات النفي والتهجير والعبودية والذل والهوان وهدم البيوت وقتل الأبناء واستحياء النساء , هذا ما كان وهذا خوفهم مما سيكون.

إننا وبين يدي قناعتنا بأنهم هم الذين يتأبطون شراً فإننا على يقين بأن مساس الإسرائيليين بالمسجد الأقصى المبارك واجتراءهم على تنفيذ أحلامهم وأحقادهم من أجل بناء هيكلهم الثالث المزعوم على أنقاضه فإنه الذي سيخلق واقعاً جديداً لم يكن على بالهم أبداً وليس هو في حساباتهم , ذلكم بما للمسجد الأقصى من مكانة فطرية ووجدانية في نفوس المسلمين هم أنفسهم يجهلونها , إلا أنها قد تتفجر من غير سابق إنذار لتكون موجاً هادراً كان أكثر من مرة على شكل انتفاضة وقد يكون على شكل هو أكبر من انتفاضة لا أحد يعلم موعدها ولا حجمها ولا نتائجها .


لقد طال الاحتلال الصليبي للقدس الشريف والأقصى المبارك حتى وصل قريباً من قرن ٍ من الزمان كان الأقصى خلالها يعاني الذل والهوان وينتظر من يرسم البسمة على قبابه ومآذنه ومن يبلل بقطرات العز جنباته وساحاته ومحاريبه التي دنسها الصليبيون , حتى كان ذلك الفتح وكان الفاتح صلاح الدين رحمه الله تعالى ، واليوم ها هو رمضان يبدأ ويهل هلاله الخير ليصوم المسلمون يؤدون ركناً من أركان الإسلام , وهم على أمل ٍ بفرحتهم عند فطرهم وفرحتهم عند لقاء ربهم يوم القيامة يثيبهم ويجزيهم عن صومهم : (كل عمل أبن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، ومع حرّ شمس آب وطول نهاره إلا أن الأمل بالإفطار وشرب الماء وتبليل الشفاه وترطيب الحلق بالماء البارد تهوّن على الصائم صيامه رغم صعوبته عندما ينطفئ لهيب عطشه , زيادة على أمله بالثواب ورضوان الله والجنة

وعليه .. ومع تزامن بداية شهر الصيام مع ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك فإنه السؤال الذي يُسأل وينتظر من يجيب عليه : هل سيرفع هذا الضيم عن المسجد الأقصى ؟ هل من صاحب نخوة يُحرك الأمة لتتحرك لتطهير المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ؟


انه الأقصى الذي ما يزال يتلظى بنيران الحقد والكراهية والعداء , ليست تلك التي أشعلها "دينيس روهان " يوم 29\8\2009 ، ولكنها تلك النيران التي تشتعل فوق وتحت وحول المسجد الأقصى المبارك عبر مشاريع التهويد وطمس المعالم وخطط هدمه وبناء هيكلهم الثالث المزعوم على أنقاضه , فيا أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو والمعالي , يا كل الزعماء , يا كل العلماء , يا كل الرجال , يا كل النساء , يا كل الأحرار؛ من يكسر قيد الأقصى ؟ من يمسح دمعة الأقصى ؟ من يروي ظمأ الأقصى ؟ من يجبر كسر الأقصى ؟ من يطفئ لهيب الأقصى ؟! .

____________________

توقيعي: تبسمك في وجه اخيك صدقة





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق