بقلم: الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية
نقلا عن جريدة صوت الحق والحرية

اكرمني الله تعالى وزرت الاهل في الجولان مرتين خلال هذه الاسابيع الماضية,وخلال هاتين المرتين حرصت ان اجلس في ظل اشجار الكرز, وان آكل في ظلها, وحرصت ان اغبر قدمي بتراب الارض الطيبة التي لا تزال تحمل على راحتها الواسعة الشاسعة مئات آلاف اشجار الكرز منذ سنين طويلة, وحرصت ان امد يدي الى تلك الاشجار من الكرز بحذر الطبيب الذي يجس العليل وان اقطف منها جامعا في داخلي متعة النظر اليها ومتعة قطفها ومتعة اكلها ومتعة التشابك مع اغصانها ومتعة التماس مع اوراقها ومتعة النزول ضيفا عليها في رحابها ...

فقلت في نفسي وانا اتامل عناقيد الكرز التي تدلت كثيرة العدد وثقيلة الوزن في كل غصن من تلك الاشجار حتى انها كادت تلامس الارض, لا بل كادت ان تستلقي على الارض بطولها وعرضها كانه تطلب لنفسها قسطا من الراحة, قلت في نفسي وتساءلت وانا احاول احصاء الوان حبات الكرز واحجامها واذواقها, ولا استطيع الى ذلك سبيلا, فهذه صفراء فاقع لونها تسر الناظرين, وتلك حمراء شديدة الحمرة القريبة من السواد, وتلك برتقالية وقفت وسطا بين الاحمر والاصفر, وتلك صفراء شاحبة ولكن اختارت انفسها خطا برتقالياكان يحيط كل حبة منها,وتلك سوداء لم يبق فيها من اللون الاحمر الا كما بقي من الوشم القديم في ظاهر اليد, وتلك بحجم حبة البندورة الصغيرة, وتلك بحجم حبة التين البلدي, وتلك بحجم حبة العناب,وتلك بحجم حبة الزعرور, وتلك حلوة المذاق, وتلك حامضة المذاق وتلك وسط في طعمها لا شرقية ولا غربية, وتلك بطعم البرتقال المخلوط مع الليمون!!
وتساءلت ...وكدت ان اكلم تلك الاشجار من الكرز بصوت عال مرتفع بدافع ضغط تلك الاسئلة الشديد الذي كان يدور في داخلي, ولكنني تماسكت واكتفيت ان اهمس بداخلي وان اتساءل بصمت: لو قدر لهذه الاشجار من الكرز ان تتكلم ماذا كانت ستقول؟!
ولو قدر لها ان تتمنى ماذا كانت ستتمنى؟!
ولو قدر لها ان تشكو فمن كانت ستشكوه منا؟ والى من كانت ستشكو؟!

وعلى وقع حفيف اوراقها وعلى وقع نسائم الرياح التي كانت تداعب اغصانها فتضرب هذا بذاك, وعلى وقع زقزقة العصافير التي كنت اطرب لالحانها ولا ارى اشكالها, وعلى وقع التنادي بين الاهل من الجولان الذين كانوا قد انتشروا في بساتينهم, فذاك كان ينادي ابنه لنقل صناديق ثمار الكرز الى السوق, وذاك كان ينادي جاره يدعوه لشرب فنجان من القهوة, وذاك كان ينادي اهل بيته للاستعداد لطعام الغداء...
واشهد اني شجرة الكرز بكل جذع من جذوعي وبكل غصن من اغصاني وبكل ورقة من اوراقي وبكل برعم من براعمي,وبكل زهرة من ازهاري, وبكل عنقود من عناقيدي وبكل حبة من حباتي... اشهد انكم سهرتم ليلكم واضنيتم نهاركم لخدمتي, فانتم من حطم الصخور لاجلي, وانتم من فتت التراب لحفظي,وانتم من كان ولا يزال يرويني بالماء ويصلني بالدواء ويرعاني صبحا ومساء ويتعهدني صيفا وشتاء, وانتم من اوصى بي الاولاد والاحفاد وارفدني بالبقاء والنماء واحاطني بالبذل والعطاء...
ولكن ما اتمناه عليكم ان ردوا علي حريتي بعد معاناتي لاسرطويل لا زلت اخضع فيه لبراثن الاحتلال الاسرائيلي... وردوا علي كرامتي بعد ان غابت عني منذ بدايات هذا الاحتلال القبيح...وردوا علي كل اهلي فانا مشتاقة لكل اهلي ممن شرد عني وممن انقطع عن صلتي!! وارفعوا تاج السيادة الحرة فوق هامتي!!
انا اشجار الكرز...
لا تحرموني الدفء والحنان.
__________________
توقيعي : تبسمك في وجه اخيك صدقة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق