اذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله .. واذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله .. واذا أنس الناس بأحبابهم فأنس أنت بالله .. واذا ذهب الناس الى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون اليهم فتودد أنت الى الله .. ابن القيِّم الجوزيّة ..

الجمعة، 24 يوليو 2009

وامضي انا...برضا الله

الكاتبة:
سوسن مصاروة رئيسة جمعية سند للامومة والطفولة

طلبوا رضا الله سبحانه وتعالى فاتجهوا اليه بالدعاء والمناجاة بالفعل والعمل, في كل اوقاتهم وازمانهم, بل في كل لحظة تمر عليهم.
ففي موسم الحج قال عنهم سبحانه:{ يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا}, وعند الهجرة تركوا الدنيا بما فيها, واتجهوا الى الله وحده, كان رضا الله هو رائدهم, قال تعالى:{ للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا}.والدعاة الى الله, الذين يجاهدون في سبيله بكل وسائل الدعوة, هم في امس الحاجة الى رضا الله تعالى,يقول تعالى:{ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي..}
هل يمكننا تحديد اولوياتنا في الحياة, وان تكون في رضا الله وحده؟بمعنى ان تعارضت مع اي شيء اخر مهما كان, الوظيفة او الاسرة او العمل او الدراسة او الدعوة او الجماعة او الدنيا...لا اقول يدع عنه هذه الاشياء, بل انه يقدمها او يؤخرها تحت عنوان: ارضاء الله وحده!
نعم اخوتي..اخواتي الكرام, يمكن لكل منا ان يقدم او يؤخر او يدع...والهدف رضا الله تعالى, فكما اننا نرضى عمن نحب في الدنيا فان رضا الله اولى بالتقديم.




صهيب الرومي, لم يكن عربيا وانما روميا, لما تمكن الايمان من قلبه واراد ان يهاجر الى النبي صلى الله عليه وسلم خيره اهل مكة بين ان يهاجر الى المدينة وبين ان يترك ماله, وكان تاجرا ثريا, حتى انهم عيروه قائلين: جئتنا صعلوكا فقيرا لا مال لك, ومر صهيب بلحظة كان لا بد ان يحسم فيها امره وبسرعة, فسأل نفسه: ما هي اولوياتي؟ رضا الله ام المال, فكان القرار الصائب: خذوا المال كله, وامضي انا برضا الله, لذلك لاقاه النبي الكريم بكلمة هي اغلى من كل مال الدنيا:" ربح البيع ابا يحيى".
قد يعتبره بعضنا ضياعا للمال, فماذا نقول بقول الله تعالى:{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}.





ماذا ينفع المال ان عصيت او تجاوزت الحد او آثرت الدنيا بما فيها من شهوات على نعيم الجنة!!
سعى الانبياء جميعا لرضا الله تعالى مع مكانتهم العليا ورفعتهم في الدنيا, فهذا سليمان عليه السلام يقول:{ رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه}. وهذا كليم الله يستعجل ولا يتأنى, يترك قومه ويتعجل للقاء الله...فلماذا العجلة؟ قال:{ وعجلت اليك ربي لترضى}.


وهذا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في خلواته مع ربه التي لا يراه فيها احد, يلجأ الى الله يطلب الرضا, قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش, فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول:" اللهم اعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, واعوذ بك منك, لا احصي ثناء عليك,انت كما اثنيت على نفسك",وعند السفر كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:"اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل مل ترضى".


ولم يترك اصحابه هذه الكلمات النيرة لمعرفتهم باهميتها فكان الواحد منهم يردد في كل اوقاته:" الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, كما يحب ربنا ويرضى"’ فيثني صلى الله عليه وسلم على هذا ويقول:" والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضع وثلاثون ملكا ايهم يصعد بها "


انها النفوس التي تعالت على الدنيا ومغرياتها, على النفس وشهواتها, وما عملت الا لترضي الله, فماذا فعلنا نحن حتى نرضي الله؟ وكيف يطمئن قلبي وتعلم نفسي ان الله راض عني؟! رضا الله تجده في عدة امور فانظر اين انت منها:

* عند المواقف: قال تعالى:{ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة} فالله تعالى يرى ويسمع والله ينظر الى المواقف, فهذا مشهد اهل الحديبية واصحاب بيعة الشجرة, ينسون في لحظة صدق كل رابط بالارض, ولا يتعلقون الا بموقف فيه هذا القرار الحاسم في التوجه لله وحده ومرضاته عن اي شيء.

* عند التضحيات: كتب معاوية الى ام المؤمنين عائشة:" اكتبي لي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي" فكتبت:" سلام عليك, اما بعد فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس, ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله الى الناس".فعند تقديم التضحيات يرضى الله عنا, واكبر التضحيات ان لا يكون هم الانسان من وراء ما يعمل, ارضي الناس ام سخطوا, فما دام هو متوجه لارضاء الله وحده فلا عليه. فالذين يسعون لارضاء الناس بالتملق والمدح او بالخدمة او بفنون الارضاء غير عابئين برضا الله او سخطه, يتخلى الله المعين عنهم, ويوكلهم الى هؤلاء الناس, وهل ينفع الناس انفسهم حتى ينفعوا غيرهم؟!!


* عند الاختبارات: يمتحن الانسان في العواطف والمشاعر, خاصة حب الزوجة او الولد, اي في مجال العواطف الاسرية, ولذلك يأتي النجاح لصالح الحب الاسري, سواء بين الزوجين او مع الابناء , حينما يتعلق الجميع برضا الله وحده, فاذا بالحب يتعمق, ومن اجل ذلك عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم قائلا:{ يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك}.

* نرضى عمن رضي الله عنه: رضي الله عن انبيائه, ولذلك فان رضي الانسان بالانبياء رضي الله تعالى عنه, فالله تعالى يقول:{ وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا}. والله تعالى يرضى عن الصحابة, فحتى يرضى عنا الله علينا ان نرضى نحن عنهم, يقول تعالى:{ والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}.

* لا نرضى عمن لم يرض الله عنه: من الذين لم يرض الله عنهم طائفة من اليهود والنصارى, الذين لا يرضون عن المؤمنين ويحاولون جاهدين اخراج المؤمن عن دينه بشتى انواع الصور, واليوم يحاربون المؤمنين ثقافيا وماليا ونفسيا وجنسيا وجسديا وصحيا حتى تتفكك الاواصر بين الامة الواحدة, يقول تعالى:{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}

كذلك من الذين لا يرضى الله عنهم المنافقين والمتملقين الذين يرفعون الشعارات ويزعمون ويدعون, للفوز بالرضا والله تعالى لا يرضى عن القوم الفاسقين.



حياتنا بالرضا هي احلى حياة, وما يعود علينا من ثمرات هو الذي يحدد مقدار سعادتنا, فان شجرة الرضا التي زرعتها في قلبك ووجدانك لا بد ان تاتي بثمار يانعة طيبة المذاق, فمن ثمارها:

1. جزاء الرضا هو الرضا: يقول صلى الله عليه وسلم:"ان عظم الجزاء مع عظم البلاء, وان الله اذا احب قوما ابتلاهم, فمن رضي فله الرضا, ومن سخط فله السخط"

2. رضا الملائكة عنك: سئل صفوان: ما جاء بك؟ قال: ابتغاء العلم, ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم الا وضعت له الملائكة اجنحتها رضا بما يصنع", ورضا الملائكة هو ثناء على الانسان لفعله وسعيه وعمله وحركته, يفتح الطريق لرضا الله عنه.

3. اساس النجاح في الحياة: كل واحد منا يحب النجاح ويسعى اليه, ومن اسهل الطرق للوصول الى النجاح ان يكون الاساس متينا وقويا, واساس النجاح في حياتنا هو الرضا, ففي مجال التجارة والرزق يقول تعالى:{ يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم}, وعند الاقبال على الزواج يقول صلى الله عليه وسلم:" اذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه,الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض", فكان الميزان في الرضا بالدين والخلق.

وحينما سالت عائشة: يارسول الله ان البكر تستحي قال: رضاها صمتها. وفي مجال العلاقات الزوجية يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:اني لاعرف غضبك ورضاك, قالت: قلت: وكيف تعرف ذاك يا رسول الله؟ قال: اذا كنت راضية قلت: بلى ورب محمد, واذا كنت ساخطة قلت: بلى ورب ابراهيم, قالت: " اجل لست اهجر الا اسمك", وكأن عائشة توصي كل زوجين بان اساس العلاقات بينهما هو الرضا, والرضا في القلب بالحب والاحساس به , وحركة اللسان فقط هي تعبير شكلي, ولكن الحب محفور في القلب, والهجر للاسم والشكل فقط.



الفوز بالرضوان الاكبر, ليس لذلك الا طريق واحد, هو الايمان, يستوي في ذلك الرجل والمرأة, ولذلك يقول تعالى:{ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم}.

البشارة بالجنة: قال تعالى:{ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم}, الرضا نجاة من الصعاب.
اتى رجل , خال انس, فطعنه في ظهره, فقال على الفور: فزت ورب الكعبة, فقال صلى الله عليه وسلم:" ان اخوانكم قد قتلوا وانهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا... أنا قد لقيناك...فرضينا عنك...فارض عنا".

فكأن الزمان تخلى عن أبعاده, فوصل ما يريدون وما يرغبون في تبليغه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل رضاهم عن ربهم وطلبهم ان يرضى الله عنهم.


_________________

توقيعي: تبسمك في وجه اخيك صدقة


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق